كُتاب الكيان

المهندس إيهاب محمود يكتب: مصر في مواجهة التحدي

المهندس إيهاب محمود يكتب: مصر في مواجهة التحدي

 

 

تمر الدول بلحظات مفصلية، يتوقف فيها مستقبلها على قرارات مصيرية وإرادة سياسية واعية. ومصر، بتاريخها العريق وموقعها المحوري، عاشت في العقد الأخير واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخها الحديث. فمن فوضى ما بعد 2011، إلى مرحلة بناء الدولة الحديثة، لعب الرئيس عبد الفتاح السيسي دورًا محوريًا في إعادة صياغة المشهد المصري على مختلف المستويات. في هذا المقال، أقدم قراءة تحليلية معمّقة لما شهدته مصر من تحولات، مع التركيز على الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، وما يفرضه الواقع من تحديات واستحقاقات مستقبلية.

 

أولًا: المسار السياسي.. من الفوضى إلى ترسيخ الدولة

لم تكن الحياة السياسية في مصر بعد 2011 سوى مرآة للاضطراب، والانقسام، و التجاذبات الحادة. لقد كانت الدولة على وشك التفكك، إلى أن جاءت مرحلة 30 يونيو لتعيد الأمور إلى نصابها. ولعل أحد أبرز إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي هو قدرته على إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتفعيل أدوارها الدستورية، وترسيخ الأمن والاستقرار، كشرط أساسي لأي تطور سياسي أو اقتصادي.

لكن التحدي الأكبر لم يكن أمنيًا فحسب، بل كان متعلقًا بإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة، بين الفرد والمؤسسات، على أسس من الثقة والمشاركة. من هنا، جاءت دعوات الرئيس للحوار الوطني، ومحاولات إعادة إحياء الحياة الحزبية، وفتح المجال أمام المجتمع المدني، رغم أن هذه المحاولات لا تزال بحاجة إلى المزيد من التفعيل الحقيقي والجرأة في احتضان التنوع السياسي والفكري.

 

ثانيًا: البعد الاجتماعي… العدالة من الفكرة إلى السياسات

ربما لم يُستخدم مصطلح “العدالة الاجتماعية” في أي خطاب رئاسي كما استخدمه الرئيس السيسي. لكن اللافت أن العدالة لم تبقَ شعارًا، بل تحوّلت إلى سياسات وبرامج على الأرض. مبادرة “حياة كريمة” نموذج متكامل لما يمكن أن تفعله الإرادة السياسية حين تتوجه لخدمة المواطن البسيط. أكثر من 4500 قرية مصرية شهدت تحولات جذرية، من شبكات مياه وصرف، إلى مدارس ومستشفيات ومراكز شباب.

الاهتمام بالمرأة، ذوي الهمم، الشباب، وأبناء المناطق الحدودية، أصبح واضحًا في السياسات والتمثيل الحكومي، بل وحتى في الخطاب الرسمي. إلا أن التحول الاجتماعي الحقيقي يتطلب ما هو أعمق: تطوير التعليم، تجديد الخطاب الديني، وخلق بيئة تشجع على المبادرة والإبداع لا الاتكالية.

 

ثالثًا: الاقتصاد الوطني… بين ضغوط الواقع وطموحات التغيير

الاقتصاد المصري لم يعرف الاستقرار لعقود، لكنه في السنوات الأخيرة واجه موجات متتالية من الضغوط العالمية؛ من تعويم العملة، إلى تداعيات كورونا، مرورًا بالحرب في أوكرانيا، وصولًا إلى الأزمة في البحر الأحمر.

ورغم هذه التحديات، فإن الدولة المصرية اتخذت مسارًا واضحًا نحو بناء اقتصاد إنتاجي، يقوم على الاستثمار في البنية التحتية، التوسع العمراني، الطاقة، واللوجستيات. العاصمة الإدارية، مشاريع النقل والقطارات الكهربائية، وتوسعة قناة السويس، كلها شواهد على سعي مصر لتثبيت مكانتها كمركز إقليمي وعالمي.

لكن لا يمكن إنكار أن المواطن العادي يئن تحت وطأة الغلاء، وأن القطاع الخاص يحتاج إلى مساحة أكبر من التحفيز والثقة. المطلوب اليوم هو إصلاح هيكلي عميق، يقوم على الإنتاج لا الاستيراد، وعلى الشفافية لا المركزية، وعلى حماية الطبقة الوسطى باعتبارها العمود الفقري لأي اقتصاد مستقر.

 

رابعًا: الصحة… حين تتحول الإرادة السياسية إلى إنجازات ملموسة

القطاع الصحي في مصر شهد ما يشبه الثورة الصامتة. ففي سنوات قليلة، تمكنت الدولة من القضاء على فيروس “سي” الذي كان ينهش أجساد ملايين المصريين. ثم جاءت مبادرات الكشف المبكر عن أمراض القلب، والضغط، والسرطان، وغيرها، لتؤكد أن الصحة لم تعد ترفًا بل أولوية وطنية.

التأمين الصحي الشامل، رغم التحديات اللوجستية، يُعد أكبر مشروع إصلاحي في تاريخ القطاع الطبي المصري. وهو خطوة نحو تحقيق العدالة الصحية، ورفع جودة الخدمات، وضمان كرامة المواطن في لحظات ضعفه. التحدي هنا سيكون في التمويل المستدام، وضمان الكفاءة والجودة في التطبيق، خاصة في المحافظات والمناطق النائية.

 

خاتمة: الطريق إلى الجمهورية الجديدة… إرادة شعب وقيادة دولة

الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يقد دولة مستقرة، بل ورث أزمة ممتدة، دولة كانت على حافة الانهيار، ومجتمعًا منهكًا. لكنه استطاع، بإرادة سياسية واضحة، أن يُعيد بناء الأساسات. الآن، ونحن نفتح صفحة ما يُعرف بـ”الجمهورية الجديدة”، علينا أن ندرك أن البناء لا يكتمل إلا بالمشاركة، والمصارحة، والمحاسبة.

إن مصر اليوم تقف على مفترق طرق: إما أن نواصل البناء على ما تحقق، بإصلاحات حقيقية وشاملة، أو نعيد إنتاج أزماتنا القديمة. وما بين هذا وذاك، تظل المسؤولية مشتركة: قيادة تضع المواطن في قلب القرار، وشعب يعي أن طريق المستقبل يبدأ من داخله.

تحيا مصر… بوحدة شعبها، وبحكمة قيادتها، وبثقة لا تهتز في قدرتها على النهوض مهما تعاظمت التحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى