اقتصاد

خبيرة اقتصادية توضح العلاقة بين التضخم وارتفاع أسعار الوقود

قالت الدكتورة مروة لاشين الخبيرة الاقتصادية، أن الاقتصادات العالمية والمصرية على وجه الخصوص، شهدت تقلبات حادة في معدلات التضخم خلال السنوات الأخيرة، موضحة أن ارتفاع أسعار الوقود يعد أحد المحفزات الرئيسية للتضخم.

واضافت مروة لاشين، أن أسعار الوقود تعتبر مكونًا أساسيًا في تكلفة إنتاج ونقل معظم السلع والخدمات، وأي ارتفاع في أسعار البنزين والسولار يؤدي بشكل مباشر إلى زيادة تكلفة النقل للمنتجات الزراعية والصناعية، مما يجعله ينعكس على الأسعار للمستهلكين، وقد يؤثر أيضَا في ارتفاع تكلفة الطاقة على الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الأسمنت والحديد والألومنيوم، مما يساعد على رفع أسعار منتجاتها.

وأكملت مروة، هذا التأثير المباشر يجعل أسعار الوقود مؤشرًا رئيسيًا للتضخم، وغالبًا ما يُنظر إلى زيادتها كإجراء يزيد من الضغوط التضخمية وبالنسبة للتضخم في مصر السنوات الأخيرة قالت لاشين أن الاقتصاد المصري شهد موجات تضخمية متصاعدة خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد قرار تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، قفز معدل التضخم السنوي إلى مستويات قياسية تجاوزت الـ 30%. وعلى الرغم من جهود البنك المركزي المصري لخفض التضخم عبر رفع أسعار الفائدة، إلا أن عوامل أخرى مثل تداعيات جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من ارتفاع في أسعار السلع العالمية وعلى رأسها الطاقة والغذاء، أبقت معدلات التضخم مرتفعة.

واردفت: في عام 2022 و 2023، تفاقمت أزمة التضخم في مصر بشكل ملحوظ، حيث تجاوز معدل التضخم السنوي في بعض الفترات إلـى 40%، وذلك كان بسبب ارتفاع أسعار الوقود العالمية، بالإضافة إلى ضغوط سعر الصرف، على سبيل المثال، أدت الزيادات المتتالية في أسعار المواد البترولية محليًا، والتي كانت تهدف جزئيًا إلى تقليل فاتورة الدعم المتزايدة، إلى زيادة تكلفة المعيشة على المواطنين ورفع تكاليف التشغيل على الشركات.

الدور المعاكس: كيف يمكن لزيادة أسعار الوقود أن تساهم في تراجع التضخم؟

وأشارت لاشين إلى أن زيادة أسعار الوقود تساهم في تراجع التضخم على المدى المتوسط والطويل من خلال عدة آليات:

-كبح الطلب الكلي:
ارتفاع أسعار الوقود يقلل من الدخل المتاح للمستهلكين، مما يقلل من قدرتهم على الإنفاق على السلع والخدمات الأخرى، هذا الانخفاض في الطلب الكلي يمكن أن يضع ضغوطًا نزولية على الأسعار بشكل عام، مما يساعد في كبح جماح التضخم، بحيث يصبح التنقل والتشغيل أكثر تكلفة، ويقلل الأفراد والشركات من استهلاكهم، مما يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي وبالتالي تخفيف الضغوط التضخمية.

-تقليل فاتورة الاستيراد وتخفيف الضغط على العملة الأجنبية:

بالنسبة لدولة مثل مصر تعتمد بشكل كبير على استيراد المواد البترولية، فإن ارتفاع الأسعار العالمية يزيد من فاتورة الاستيراد ويضع ضغطًا على العملة الأجنبية، في المقابل قد تدفع الزيادات المحلية في أسعار الوقود المستهلكين والشركات إلى ترشيد الاستهلاك والبحث عن بدائل، مما يقلل تدريجيًا من حجم الاستيراد وبالتالي يخفف الضغط على الدولار ويساهم في استقرار سعر الصرفالذي يعد عاملًا مهمًا في السيطرة على التضخم المستورد.

-تحفيز كفاءة الطاقة والاستثمار في البدائل:

ارتفاع تكلفة الوقود يشجع الأفراد والشركات على تبني ممارسات أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة والاستثمار في مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، وعلى المدى الطويل، يمكن أن يقلل هذا التحول من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقلبات أسعاره العالمية، مما يوفر استقرارًا أكبر في تكاليف الطاقة ويقلل من مخاطر التضخم الناتج عن صدمات أسعار الوقود؛ على سبيل المثال، قد يشجع ارتفاع أسعار البنزين على استخدام وسائل النقل العام أو السيارات الكهربائية.

-إدارة المالية العامة وتقليل عجز الموازنة:

في العديد من الدول، بما في ذلك مصر، يتم دعم أسعار الوقود بشكل جزئي أو كلي، وارتفاع الأسعار العالمية يزيد من تكلفة هذا الدعم ويضع عبئًا كبيرًا على الموازنة العامة للدولة، مما يؤدي إلى رفع أسعار الوقود محليًا، وإن كان له تأثير تضخمي مباشر، يمكن أن يساهم على المدى الطويل في تقليل فاتورة الدعم، وتحسين إدارة المالية العامة، وتوجيه الموارد نحو قطاعات أخرى أكثر إنتاجية.
ولفتت لاشين إلى أن تقليل عجز الموازنة يمكن أن يساهم في استقرار الاقتصاد الكلي ويقلل من الضغوط التضخمية الناتجة عن التمويل الحكومي لتحديات والموازنة بين التأثيرات، مؤكدة أن التأثير المعاكس لزيادة أسعار الوقود على التضخم ليس مضمونًا أو فوريًا، ويأتي مصحوبًا بتحديات كبيرة منها:

-الأثر الاجتماعي:

زيادات أسعار الوقود تؤثر بشكل مباشر على تكلفة معيشة المواطنين، خاصة الفئات الأكثر تضررًا وذوي الدخول المحدودة، هذا يمكن أن يؤدي إلى استياء اجتماعي وزيادة في معدلات الفقر إذا لم تصاحبه إجراءات حماية اجتماعية فعالة.

-تباطؤ النمو الاقتصادي:

كبح الطلب الكلي الناتج عن ارتفاع أسعار الوقود قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي إذا لم يتم تعويضه بزيادة في الصادرات أو الاستثمار في قطاعات أخرى.

-التوقيت والتدرج:

يجب أن تتم زيادة أسعار الوقود بشكل تدريجي ومدروس، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية، لتجنب صدمات تضخمية كبيرة وتقليل الآثار السلبية على المواطنين والقطاعات الاقتصادية المختلفة.

واختتمت قائلة: “إن العلاقة بين زيادة أسعار الوقود وتراجع التضخم هي علاقة معقدة تتجاوز التأثير التضخمي المباشر، على المدى المتوسط والطويل، والذي يمكن أن تساهم زيادات أسعار الوقود، إذا تم تنفيذها بشكل مدروس وضمن استراتيجية اقتصادية شاملة، في كبح جماح التضخم من خلال كبح الطلب، وتقليل فاتورة الاستيراد، وتحفيز كفاءة الطاقة، وتحسين إدارة المالية العامة. ومكافحة التضخم والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي المستدام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى