Site icon elforsa

الإيجارات القديمة بين حقوق المالكين وأمان المستأجرين: جدل لا ينتهي

تعود قضية الإيجارات القديمة إلى واجهة النقاشات السياسية والاجتماعية في مصر مجددًا، مع تجدد مطالبات بتعديل القانون الذي ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر، في ضوء ما يعتبره البعض اختلالًا في ميزان العدالة، بينما يرى آخرون أن التغيير قد يهدد استقرار الملايين من الأسر المصرية.

قانون قديم وميراث شائك
قانون الإيجارات القديمة، الذي صدر في منتصف القرن العشرين، كان يهدف إلى حماية المواطنين في أعقاب الأزمات الاقتصادية والحروب. وقد ثبت الإيجارات عند مستويات متدنية مقارنة بالقيمة السوقية الحالية، ما أدى إلى بقاء أسر كاملة في وحدات سكنية مقابل مبالغ زهيدة لا تتناسب مع تكلفة المعيشة أو أسعار العقارات اليوم.

المالكون: نحن الطرف المنسي
يقول سامي عبد القادر، وهو مالك لعقار في وسط القاهرة: “أحصل على 10 جنيهات شهريًا مقابل شقة مؤجرة منذ السبعينيات، بينما لا أستطيع ترميم العقار أو حتى الاستفادة به.” ويضيف أن القانون الحالي يصادر حق المالك في إدارة ملكه بحرية، ويحول العلاقة إلى ظلم ممتد.
الجمعية المصرية للدفاع عن حقوق الملاك تؤكد في بياناتها أن القانون حرم الملايين من الملاك من حقوقهم الشرعية، وطالبت بإعادة التوازن بما يراعي التطورات الاقتصادية دون الإضرار بالمستأجرين محدودي الدخل.

المستأجرون: لسنا خصمًا ولا أثرياء
في المقابل، يرى المستأجرون أن أي تعديل يجب أن يكون تدريجيًا ويأخذ في الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية. تقول منى إبراهيم، وهي موظفة متقاعدة تقيم في شقة إيجار قديم منذ عام 1980: “أعيش براتب معاشي، وإذا اضطررت لدفع إيجار جديد في السوق الحرة سأضطر لترك منزلي.” وتضيف: “لسنا ضد حقوق الملاك، لكن نحتاج إلى حلول عادلة.”

الأحزاب بين الإنصاف والحماية
تعبر الأحزاب السياسية عن تباين واضح في مواقفها. فبينما يؤيد حزب مستقبل وطن التوجه نحو تعديل القانون ضمن خطة شاملة للإصلاح التشريعي، يشدد على ضرورة وضع جدول زمني للتحرير التدريجي يتضمن إعانات للمستأجرين غير القادرين.
أما حزب العدل، فقد دعا إلى تشكيل لجنة وطنية تضم ممثلين عن الملاك والمستأجرين وخبراء قانونيين واجتماعيين لصياغة تصور متوازن يحمي حقوق الجميع دون تهديد للسلم الاجتماعي.
من جانبه، يرى حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن أي تعديل يجب أن يضمن السكن كحق دستوري، ويقترح توسيع مشروعات الإسكان البديل للمستأجرين المتضررين.

رؤية الخبراء: التعديل ضرورة مع ضمان العدالة الاجتماعية
يقول الدكتور كريم العمدة الخبير الاقتصادى إن القانون الحالي أوجد سوقًا موازية للإيجارات، وأثر على حركة الاستثمار العقاري، و”الإبقاء عليه بهذه الصيغة يجمد أصولًا اقتصادية ضخمة كان يمكن استغلالها.”
في المقابل، تحذر الخبيرة الاجتماعية الدكتورة نجلاء حسن من التسرع في تعديل القانون دون خطة حماية واضحة، مشيرة إلى أن “الفئات الهشة قد تتضرر بشدة في حال عدم توفير بدائل مناسبة.”

ما بين القانون والواقع
يبدو أن التوجه العام يميل إلى ضرورة تعديل القانون، لكن العقبة الأهم تبقى في كيفية تحقيق التوازن بين استعادة حقوق الملاك وحماية المستأجرين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. ويظل الحل في يد المشرّع، الذي ينتظر منه الجميع أن يصيغ قانونًا يعيد الإنصاف ويحفظ الاستقرار الاجتماعي.

Exit mobile version